التحول الجيوبوليتيكي من الدبلوماسية إلى الابتزاز المائي دراسة حالة حوض النيل

تعد أزمة المياه في حوض النيل واحدة من أعقد التحديات الاستراتيجية التي تواجهها دول الحوض، حيث تتحول المياه من مجرد مورد طبيعي إلى قضية وجودية تمسُّ صميم الأمن القومي للدول المعنية، وقد جاءت هذه الدراسة لتحليل هذه الإشكالية من خلال منهجية تحليلية تركيبية، تجمع بين رصد التحولات التاريخية وقراءة التداعيات الجيوسياسية، مع التركيز على أزمة سد النهضة الإثيوبي كنموذجٍ للتحول في ديناميكيات الصراع، وانطلقت الدراسةُ من تحليل البيانات الثانوية المتاحة في الكتب الأكاديمية والرسائل العلمية والمجلات المحكمة، مع تركيزٍ خاص على الفترة الممتدة من 2011 إلى 2020، وهي الفترة التي شهدت التحولات الأكثر جذرية في طبيعة التفاعلات بين دول الحوض، وكشفت الدراسةُ أن الصراع المائي في حوض النيل قد تجاوز كونه مجرد نزاعٍ تقني حول توزيع الحصص المائية، ليتحول إلى قضية جيوسياسية معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية، فمن ناحية، يُعاني الإطار القانوني المنظم لإدارة الموارد المائية من حالةٍ من التآكل، مع تزايد المطالبات بإعادة النظر في الاتفاقيات التاريخية، ومن ناحية أخرى، تشهد موازين القوى الإقليمية تحولاً ملحوظاً لصالح دول المنبع، فيما تتدخل قوى دولية وإقليمية لتعقيد المشهد أكثر فأكثر، وفي مواجهة هذه التحديات، تقدم الدراسةُ مجموعةً من التوصيات، يأتي في مقدمتها تطوير استراتيجية عربية موحدة لإدارة الملف المائي، وتعزيز التعاون الإقليمي في مشاريع التنمية المستدامة، وبناء نظام إنذار مبكر للتغيرات المائية والمناخية، كما تؤكد الدراسة على أهمية تفعيل الآليات القانونية الدولية، وتنمية الوعي المجتمعي بأهمية القضية المائية، وختاماً، فإن هذه الدراسة تُؤكد أن الحلَّ الأمثل لهذه الأزمة لا يكمن في منطق الصراع والمواجهة، بل في تبني نموذج تعاوني قائم على مبدأ المنفعة المتبادلة، مع تطوير آليات مؤسسية فاعلة قادرة على تحقيق إدارة مستدامة لموارد الحوض، بما يضمن حقوق الأجيال القادمة ويحقق الاستقرار والازدهار للجميع