العلامة اللسانية (مقاربة تحليلية في الأسس والمفاهيم)

تحتل العلامة اللسانية موقعاً محورياً في علوم اللغة الحديثة، إذ تُعد الوحدة الأساسية التي ينبني عليها النظام اللغوي وتتشكل من خلالها عمليات التواصل الإنساني، فاللغة ليست مجرد وسيلة للتعبير عن الأفكار، بل هي منظومة معقدة من العلامات التي تكتسب دلالتها ووظيفتها ضمن سياقها النسقي والاجتماعي، وقد تباينت الرؤى حول مفهوم العلامة بين التراث العربي الذي أولى اهتماماً بالغاً للعلاقة بين اللفظ والمعنى، والدراسات الغربية التي قادت ثورة مفاهيمية مع فرديناند دي سوسير وشارل بيرس، حيث انتقلت العلامة من كونها مجرد رمز أو إشارة إلى بنية دلالية مركبة تدمج بين الدال والمدلول، وتخضع لمبدأ الاعتباطية والمواضعة الاجتماعية.

لقد أفضت هذه التحولات النظرية إلى اتساع مفهوم العلامة ليشمل مختلف أنماط التواصل الإنساني، وأصبحت دراسة العلامة اللسانية مدخلاً لفهم الظواهر اللغوية والثقافية والاجتماعية على حد سواء، من هنا تبرز أهمية هذا البحث في تتبع الأسس النظرية والمفاهيمية للعلامة، واستكشاف تطورها عبر التراث العربي واللسانيات الغربية، مع الوقوف على الفروق الاصطلاحية بين العلامة ومفاهيم مجاورة كالإشارة والرمز والأمارة والقرينة.

ويسعى البحث إلى معالجة إشكالية مركزية وهي هل تقتصر العلامة على الحقل اللساني أم تتجاوز ذلك لتغدو أداة تفسيرية لفهم مختلف أنساق الحياة الإنسانية؟ وما مدى التداخل أو التباين بين التصورات التراثية والحديثة حول اعتباطية العلامة ووظائفها؟ إن الإجابة عن هذه الأسئلة تقتضي مقاربة تحليلية نقدية تستحضر أبعاد العلامة في الفكرين العربي والغربي، وتسلط الضوء على أثرها في إعادة تشكيل الدرس اللساني المعاصر وتوسيع مجالاته التطبيقية.